يصل العديد من البالغين إلى مرحلة متقدمة من العمر قبل أن يدركوا أنهم عانوا من الإهمال العاطفي خلال طفولتهم، عندما تبدأ الأعراض بالظهور جليًا في حياتهم اليومية. وعلى عكس الإهمال الجسدي الذي تظهر آثاره من خلال كدمات أو سوء تغذية، يظل الإهمال العاطفي غير مرئي في كثير من الأحيان، وغالبًا ما يتم التغاضي عنه داخل الأسرة والمجتمع.
كيف يحدث الإهمال العاطفي داخل الأسرة؟
حتى أكثر الآباء حبًا وحرصًا قد يقعون في فخ الإهمال العاطفي دون وعي. فالأهل الذين يهملون مشاعر أطفالهم لا يفعلون ذلك بالضرورة عن قصد، بل قد يكونون هم أنفسهم ضحايا لإهمال عاطفي سابق. للأسف، فإن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يكبرون ليكرروا نفس النمط مع أبنائهم دون إدراك.
في الأسرة، لا يكفي الحب وحده لتربية طفل سليم نفسيًا. يحتاج الطفل إلى والدين يتناغمون عاطفيًا معه، وهذا يتطلب أن يكون الوالد نفسه واعيًا بمشاعره، وقادرًا على التعبير عنها بطريقة صحية.
ما هي نتائج الإهمال العاطفي؟
عندما لا يشعر الطفل بالاحتواء أو لا يجد من ينصت له ويفهمه، تبدأ شخصيته في التشكل بشكل هش. تظهر عليه علامات مثل تدني احترام الذات، وضعف الصورة الذاتية، وفرط الحساسية تجاه النقد أو الرفض.
يصبح الإهمال العاطفي داخل الأسرة شائعًا في البيوت التي تسودها توقعات عالية غير واقعية، أو التي تفتقر إلى الحوار والتواصل الفعّال، أو يتم فيها التقليل من مشاعر الطفل أو تجاهلها تمامًا.
أعراض الإهمال العاطفي في مرحلة البلوغ
وفقًا للدكتورة "جونيس ويب"، فإن البالغين الذين تعرضوا لـالإهمال العاطفي في الطفولة قد يعانون من الأعراض التالية:
- الشعور بالفراغ الداخلي أو الخدر العاطفي
- الإحساس بوجود شيء مفقود دون تحديده
- سهولة الشعور بالإرهاق أو الإحباط
- تدني احترام الذات
- الكمالية المفرطة
- الحساسية المفرطة تجاه الرفض
- الغموض في فهم التوقعات من الآخرين أو من الذات
إذا تعرفت على أكثر من عرض من هذه الأعراض، فقد يكون من المفيد طلب المساعدة من مختص نفسي.
أنماط الأهل المرتبطة بالإهمال العاطفي
لا يولد الإهمال العاطفي من العدم، بل غالبًا ما يرتبط بأنماط معينة من التربية داخل الأسرة:
- الآباء السلطويون: يركزون على الطاعة والانضباط، ويتجاهلون مشاعر أطفالهم
- الآباء المتساهلون: يتركون الأطفال دون توجيه أو دعم عاطفي كافٍ
- الآباء النرجسيون: يجعلون كل شيء يتمحور حول احتياجاتهم، متجاهلين احتياجات الطفل
- الآباء المثاليون بشكل مفرط: يضعون توقعات عالية جدًا، ما يدفع الطفل للشعور بعدم الكفاية
- الآباء الغائبون: بسبب الوفاة أو الانفصال أو العمل، ما يضطر الطفل إلى تربية نفسه بمفرده
كيف نتعافى من الإهمال العاطفي؟
إذا كنت تظن أنك عانيت من الإهمال العاطفي في الطفولة، فإليك 5 خطوات للتعافي:
1. التعرف على مشاعرك
ابدأ بملاحظة التغيرات في جسدك عندما تمر بموقف ما - مثل خفقان القلب أو توتر العضلات - وتوقف لحظة لتسأل نفسك: "بم أشعر الآن؟"
2. تعلّم لغة المشاعر
طور مفرداتك العاطفية. لا تكتفِ بقول "أنا غاضب"، بل اسعَ لتحديد مشاعرك بدقة: هل أنت مجروح؟ خائب الأمل؟ خائف؟ هذا يساعد في فهم الذات والتواصل العاطفي.
3. اكتشف احتياجاتك
الطفل المُهمل عاطفيًا غالبًا ما يكبر غير مدرك لاحتياجاته. تعلّم أن تطرح على نفسك سؤال: "ما الذي أحتاجه الآن؟"، وابدأ بخطوات صغيرة نحو تلبيتها.
4. افصل بين المعتقدات والحقائق
قد تعتقد أنك لا تستحق الحب أو الدعم، لكن هذه مجرد معتقدات نشأت في بيئة غير حاضنة، وليست حقائق. تذكر أنك تستحق الحب والاهتمام تمامًا كأي شخص آخر.
5. كن عطوفًا مع نفسك
عامل نفسك بلطف، وتذكّر أنك في رحلة شفاء. مارس الرعاية الذاتية كما لو أنك تعتني بطفل صغير. استبدل الصوت الداخلي الناقد بصوت عطوف ومتفهم.
خاتمـــــــة
الإهمال العاطفي داخل الأسرة ليس دائمًا واضحًا، لكنه يترك آثارًا عميقة تمتد إلى حياة البالغ. إدراك هذه الجراح الخفية هو أول خطوة في رحلة التعافي. فلنكن أكثر وعيًا بمشاعر أطفالنا، ولنخلق بيئة أسرية آمنة يُسمع فيها الصوت ويُحتضن فيها الشعور.